رُدُّوا البضـاعةَ إنَّها مُزْجـَاةُ = في الشهدِ سُمًّا تنفِثُ الحيـاتُ
ذودوا عن الأوطـانِ غولَ مطـامعٍ = لم تنْجُ منه جبـالُـها وحصـاةُ
الغربُ جَمَّع شملـَـهُ ما بالـُكم = جمعتكمُ الأدواءُ والفُرقـاتُ؟
ما انفكَّ عالمُـكم يئنُّ تمزُّقـًـا = والذئبُ يفتكُ حين تشرُدُ شاةُ
هذي وحوشُ الغربِ ترصُدُ خوفَكم=شَرَكُ الفريسةِ خوفُها ورُماةُ
أوَ تبحثونَ عن الهُوِيـَّةِ ..وَيْحَكُم = تحت اللـواءِ هُويـَّةٌ ونجاةُ
كـــان الفتيَّ وحيــن كــان مُرَفرِفـًـا = حَمَتِ المرامي جنـدُها وكُماةُ
وصحـا الذئابُ ونام مَن قادوا الورَى = نَهْجُ الذئـابِ تصَـبُّرٌ وأنـَـاةُ
زَرعوا الحضـارةَ والبذورُ تمرُّدٌ = في الوحلِ لم تُقطفْ لها ثمَـراتُ
إلا الرذائـلَ من منابِتِـها جَنَتْ = أيدي البريـَّـةِ أقفرتْ خيراتُ
وترنَّحتْ بالخـمرِ تنـزِفُ عقلـَـها = وإلـَهُهـا الدولارُ والصفقاتُ
وإذا الحضـارةُ باللئـامِ اسـْـتُنْبِتَت = كفَرت! فلا تُتْـلى بها صـلواتُ
أوَ نرتجي من جَـدْبهم خيرَ الجَنـى = عَمُوا وَصَمـُّوا .. صدَّقت آيـاتُ
بات العِنـانُ على الغواربِ مُطلقــًا = فإذا الطريقُ مدامعٌ وشُكاةُ
يا شِرْعة َالغابِ استعيدي بدءَهم = فوق الجماجمِ قـامت “الويلاتُ”
شهِدَ الهنودُ الحمرُ ليـلَ مذابحٍ = سـُـلبت حقوقٌ نبضُـها حَيَوَاتُ
شرعوا استباقَ الحربِ بعد حصارِنـا = صُــفِعت على الخدَّين حرِّيـاتُ
غالوا الطفـولـةَ..أطفؤوا أفراحَها = عجفاءُ عطْشى والسليبُ فُراتُ
عجفـاءُ والبترولُ يجري أنهـُـرا = وعلى السنينَ تخُيَـِّـمُ المأساةُ
قد مزَّقوا جســدَ العراقِ بفُرقةٍ = كي يجمعَ الوطنَ الجريحَ شَتـاتُ
في بَيْدَرِ التقسيمِ جالَ تَواطؤٌ = مُهَجَ المَغاني يســتبيحُ غُلاةُ
بغدادُ تُنسَـجُ مِن دِمـاهـا بُرْدَةٌ = وطيـورُ بيـْنٍ في المَدَى نَعِبـاتُ
يا غزلَنـا المنقوضَ يا بغـدادُ.. مَنْ = للغزلِ إنْ نقضَ الغزولَ عُـداةُ؟
= = =
هذي “جِنيفُ” تمرَّغت في وَحْلـِهم = شُـرِبت على أشلائها الكاساتُ
يا “رمسْـفِلد” ويا “بليرُ” تقاسـمـا = عارَ الفضيحةِ سجَّلت عدساتُ
هذا هو الوجـْهُ الكريـهُ لحقدِهم = ما الغربُ إلا نِقمـةٌ وجُنــاةُ
أوَّاه يا سـجنَ “الغريبِ” تهتـَّكَت = أسـتارُهم وتصـاعدت آهاتُ
مَن للعذابِ المرِّ يصــفعُ ظنَّنـا = كنا نظنُّ إذا بها أنــَّـاتُ
حربُ البشاعةِ والوضاعةِ لم تضعْ = أوزارَهـــا وتباطـأ الميقـاتُ
هرمـًا من الأجسادِ رصَّص لهوُهم = أوَ في الرَّغامِ تُنَضَّدُ القامـاتُ؟
سحَلوا الكرامةَ والجراحُ تفاقمتْ = وتكشَّـفت من سِـتْرِها العوراتُ
حلَّ الرجـالُ محلَّ هاتيـكَ الدُّمى = عبثَ القيـادةِ تنقلُ القنـواتُ
صُــلِبوا وعُصِّبت العيـونُ فلا نرى = هولَ الجحوظِ إذا سَـرَت صعقاتُ
مَن ذا يُهوِّمُ والنعــاسُ جريمـةٌ = سـادِيَّةٌ قد قنَّنتهـا اللاتُ
وحشـيـةٌ لم يسـمحِ النـــازي بها = دَمويــَّـةٌ قد برَّرت غايـاتُ
والإخوةُ الأعـداءُ لم يتورَّعـوا = بلدُ الرشـيدِ تخونُهُ الجـاراتُ
والقابضونَ على الرقـابِ تشاغلوا = مِلْءُ الجفونِ تغافـلٌ وسُباتُ
مَن للبـكاءِ إذا تحجَّـر دمعُنـا ؟ = واستصرختْ أنَّـاتِها النَّايـاتُ؟
= = =
وإذا الكلابُ توحَّشت وتحلَّقت = شُـطِرَت قلوبٌ..شُيِّعَت عَبَرَاتُ
مَن ذا سـيُخفي في الجرابِ حقيقةً = مِزَقـــًا يُمَزَّقْ تُطعَـمِ الحدآتُ
هذي وضاعتُهم إذا ما اسْـتوردوا = مِن سـِجنِ “كوبا” جاءتِ الخبراتُ
بل كِدتُ أنسى .. والتَّذكُّرُ نكبـةٌ = مِن سَبْقِنا تُسْـتَنسَـخُ الآفاتُ
دَكَّتْ حَمــــــاةَ بِليلةٍ أيديْ الفَنـَا = وعلى الخرائطِ دارتِ المِمْحـاةُ
في حافلاتِ الموتِ نقضي نَحبَنــا = جوعًا..أُوَامًـا .. تخنِقُ الزَّفَراتُ
أو حين تَشوينا شموسُ القَهرِ في = عُلَبِ التَّنـاقُـلِ ما لنـا إفلاتُ
والسُّمُّ في الأحشاءِ يسري كيفما = أمَرَ الملوكُ ويسْـتجيبُ طُهـاةُ
مُرُّوا على أحواضِ حِمْضٍ كم بهـا = ذاب الخلائقُ فانتشت لذَّاتُ
ولْتنظروا أشـواكَ بُغْضٍ ثَقَّبَت = أقدامَ مَن هُم في المسيرِ حُفـاةُ
وأناملًا قد أُدمِيَتْ في خِسَّةٍ = نزعـوا الأظافـرَ أمْحَلتْ رحْمـاتُ
ونَمَتْ سِـياطٌ في الأكُفِّ جُذورُهـا = فاسْتعذبَ السَّلخَ البطيَء عُتـاةُ
شـيـطانُهم قـالَ املأوها تابِلا = بفَمِ الجـراحِ تُنَضَّـدُ الجمَراتُ
بات الرجـالُ مُنكَّسـينَ وعُلِّقوا = وعَلى الظهورِ السُّـوقُ مُستعِراتُ
وتَمَزَّقَـت أوصـالُهم إذ عُلِّـقت = في المِعْصَمَيْنِ مِن الحديـدِ كُراتُ
قد دُنِّسَـت أعراضُـهم وتَلَطَّخَت = حين اسْـتـُبيحت زوجـةٌ..أخوَاتُ
أو حين ثُبِّت في الحَشَـا ذَيْلُ العَصَا = يا وَيْلَنـا في الأرضِ عاثَ بُغـاةُ!!
نَهَشَت كلابٌ فالمُـدَرِّبُ حَثَّـها = مات الضميرُ تَكَدَّسـت حسَـراتُ
وإذا الدِّلاءُ إلى الجِوارِ اسْـتُبقيت = أبشِـعْ بها إنْ دارتِ الدوراتُ
= = =
أَسمِعتَ عمَّن أُغرِقوا واسْـتُنقِذوا = غرقٌ.. وطفوٌ .. لُعبـةٌ.. مَلهاةُ
سجــَّانُنا حرٌّ تسـلَّى بالوَرَى! = حرٌّ ولم تُعـْوِزْهُ مُبتـكــَراتُ
إن شاء يخنِقْ مَن يشاءُ فإنهـا = باتتْ مَشاعًا أضْلُعٌ وَرِئــاتُ
في الجسمِ مُطفــأةٌ سجائرهُ التي = فوق الجفونِ بَدَت لـها بصمـاتُ
جلادُنــا يكوِي وليس مفوَّضـًـا = للنــارِ رَبٌّ إنْ بدَت عِـلَّاتُ
هذي عيـونٌ أُطفِئت أنوارُهـا = وعلى الشطوطِ تكالبت ظُلُمـاتُ
ذهبَ الصُّراخُ سُدًى وبعثرهُ المدى = حتى مَتى تتبدَّدُ الصــرخاتُ؟
باتت عظـامٌ والرَّغَــامُ فِراشُها = في الليلِ ترسُفُ، كُبِّلَت خُطواتُ
للبردِ أنفـاقٌ وفَنٌّ ضــارِبٌ = أتَلينُ للفـنِّ الخسـيسِ قنـاةُ؟
والسـجنُ يسـبحُ في ظلامٍ دامِسٍ = عَمِيَتْ على جُدرانِـهِ السّـاعاتُ
أرخى الظلامُ سُـدولَهُ لم يَطْوِها = فتشابَهَ الأحيـاءُ والأمواتُ
وسَـلوا مفاتيحَ الزنـازينِ التي = لو حُرِّكت لَتَسَـمَّرت نظراتُ
وتوجَّسـت شرًّا سَيُمطِرها أذًى = ومِن المخاوفِ تَنْبَري العشراتُ
تلك الفنونُ هي الجنونُ إذا ارتَــأَوا = نَفخَ البطونِ وأسـهَبت آلاتُ
في الرأسِ مِثْقــــــابٌ يُعَرْبِدُ فــاجـرًا = والقيْــــــدُ مِنْجَلَةٌ لهــا قَبْضـاتُ
شرفُ الخُصـومةِ مِن عُهودِهمُ انطوى = لُــدٌّ وفي سـاحِ الخِصـامِ عُراةُ
أمَّا المشـــانقُ والنِّصــالُ فإنَّها = بَتَرَتْ زوائدَ والليـــــالِ سُكــاتُ
فالمُترَفـونَ على الأرائــكِ أزَّهم = رَجْعُ الأنينِ فوُورِيَتْ أصـواتُ
قبرٌ وأُتخِمَ بالجمـــاجمِ .. جُمِّعـت = حُشِـــــدت فكانت ثَمَّ مؤتمراتُ
وتُطِلُّ نافذةُ السـجينِ على الحِمى = هذي بلادُ العُـرْبِ معتقلاتُ
كلُّ العبـادِ بغيـرِ جُــرْمٍ مذنبٌ = أَوَ في العبيــدِ يُنــازَعُ السَّـاداتُ؟
قُتِلَ الأمـانُ بخِنجَـرٍ مُتَفَــرِّدٍ = وتقَوقَعتْ في الخوفِ مجتمعـــاتُ
رَدُّوا بضـاعتَنـا إلينـا حسـبُنــا = أدبُ السُّجونِ بِهِ ازدَهَى الإثباتُ
= = =
قلبـاهُ يا بغـدادُ مـاذا بعد مــا = تحتَ النِّعالِ اسْـتُنزِلَت هـامـاتُ؟
وتبوَّل التـاريخُ فوق رؤوسنا = صِرنا غثــاءً ما لنــا حُرمــاتُ؟
إن أصبحَ الجـلادُ قـاضينـا فلا = عادت حقوقٌ أوْ ..جَلَتْ نكبـاتُ
ظنُّـوا السيادةَ مِنحةً من فضلِهم = خسِـئوا فتحتَ رَمـادِنا الثوراتُ
ظنُّـوا بأنـَّا سوف نركـعُ لا.. ولن = لا والذي فرض الجهـادَ..أُبــاةُ
يُطفا الغليــــلُ إذا الكلابَ تلقَّفتْ = أُسْــــــدٌ ضَوارٍ مِلْؤها الثاراتُ
يا “رمْسِفِلد” رُموسُكم حُفِرت هُنـا = لن تهنؤوا ..للرافـديْنِ حُمَاةُ
= = =
20/5/2004
20/5/2004
(*) القصيدةُ دندناتٌ حول مشروع الشرق الأوسط الكبير
وما واكَبَهُ مِن كشف النقاب عن تعذيب العراقيين في سجن أبو غْريب
من ديوان بغداد: للرافدَينِ أغنّي
نُشِرت في كتاب: عبرات بغدادية لمؤلفِهِ: حميد القيسي
No comments:
Post a Comment