Monday, July 23, 2018

لعلَّ النَّهارَ يعودُ نَهارًا




مِنْ وَحْيِ صورةٍ التُقِطَتْ لِطفلةٍ في الحرب، تُغمِضُ عَيْنَيْ دُمْيَتِها لِتَحجُبَ عنها مَشاهِدَ الرُّعب؛

كان هذا الحِوارُ التَّخَيُّلِيُّ على لِسانِ الطفلةِ التي شيَّبَتْها الأهوالُ قبلَ الأوان





 هَبَطنا إلى الأرضِ أُطفئَ وَجْهُ النَّهارِ،
وَأُوْقِدَ لَيْلٌ ظَلومٌ عَبُوسْ

وَكَمْ مِنْ نَهارٍ تَضَوَّرَ شوقًا إلى الِابتسامِ
على ثَغرِهِ أوْ ثُغورِ الشُّموسْ

فِمِنْ فُوَّهاتِ الخِلافِ، ثُقوبِ الليالي،
وَمِنْ حَمَإٍ بَيِّنٍ في النُّفوسْ؛

تُرَى: يُرْتَجَى العَدْلُ أوْ يُشتَرَى؟

 تُجيبُ دُموعي: هُوَ القَتْلُ بعدَ انفِصامٍ سَرَى

لَظى الحربِ أَودَتْ بِهدأتِنا وانْبَرَى؛

مارِدُ الظُّلْمِ يرسُمُ قِبلتَنا في الذُّرى

أقولُ لها: دُمْيَتي لا تخافي
ولا تترُكِي القلبَ (حافِي)

لِشوكِ الطريقِ الذي لا يفيقُ
على وَقْعِ أقدامِنا القَهْقَرَى

وأُغْمِضُ في لَهْفةٍ ناظِرَيْها لِكَيْ لا يَرى؛

قلبُها الغَضُّ هذا الجُنونَ الذي لا يكون؛

سِوَى في الرُّواياتِ أو في الكَرَى

فَتكشِفُ عن كُفرِ أسْيافِها؛ دَامياتُ المَذابحْ

وَتَرشِفُ أطماعَها ودِمانَا؛ نَبِيذًا لِتَسْكرَ كلُّ الجَوارِحْ

فَتَبدو المَسارِحْ؛

وقد داهمَتْها:

-نُصوصٌ مِن العَبَثِ المُسْتَطيلْ

لإفناءِ جيلٍ بِشَفراتِ جِيلْ

-دُمًى تتثَنَّى، خُيوطٌ تُحرِّكُها، تتأنَّى

وتُشْرِبُها الشِّركَ يَخضَرُّ مِنْ رِيِّهِ قلبُها

فتَنْبُتُ فيهِ طُقوسُ الدَّمارْ.

-تُيوسٌ تَجوسُ خِلالَ الدِّيار،

تَعيثُ فَسادًا

 وتُلْقي عِبادًا

-بِدونِ جريرةْ

سِوى أنهمْ أنقياءُ السَّريرةْ-

إلى غَيْهَبِ الجُبِّ - والفِكْرُ حائرْ-

وَوَحشِ المَتاهةِ، دونَ سِراجٍ ودونَ دليلْ

لِيَلْتَحِفوا في عَرَاءِ الضَّمائرْ،

-وَيُسْمعُ فيهِ عُواءُ الذّئابِ، وَيَرتَعُ فيهِ قَتَامُ السَّرائرْ-   

رِمالًا عَساها تَقِيهم:

بُرودةَ خَيماتِهم، والبُرودةُ ليس لها مِنْ ضميرْ 

ولا ضَوءُ دِينٍ بِهِ تستنيرْ

ولا أيُّ قُربَى؛ عَدَا أنها أُختُ ذاكَ الصَّقيعْ،

وَبِنْتُ ثُلوجٍ تُبَيّضُ وَجْهَ الفُصولِ العِجافْ

وَتَرجِفُ مِنها الأيادي النِّحافْ

***

أقولُ لها وَيَدِيْ تتشنَّجُ فوق بَراءتِها المُخمَلية:

لا تنظُرينا؛
فإنَّا على نَهْجِ قابيلَ، ما زالتِ الهمجيّة

تَمْتَصُّ مِنَّا رحيقَ الحياةْ

وتُلقي بِنا تحت صَخرةِ حِقْدٍ غَريبِ الهُوِيّةْ

وَصَلصالُ دَهمائِنا سِيُّ مَا نَصطَلي مِنْ جِمارْ

فَقَدْ أمطرتْهُمْ غُيومُ التَّصَدِّي لِنورِ الفَنارْ

لِيَعرو الظلامُ اتِّساعَ البِحارْ

وَتُعتِمَ بُوصَلةُ العائدينْ؛

نَوارِسَ عافَتْ سِنِينَ الغِيابْ  

وحينَ اسْتَبَدَّ اصطِخابُ العُبَابْ

وَزَمْجَرَتِ الريحُ: ما مِن إيابْ؛

تَبَدَّدَ حُلْمُ مُرِيدي النَّجَاةْ

***

أقولُ لها:
لا تَخافي، ولا ينتفِضْ قلبُكِ المُستكينْ

فيسقُطَ ريشُ السَّكينةِ عَنهُ،
وتحمِلَهُ للبعيدِ المُوَشَّى بِصوتِ الأنينْ؛

 رِياحُ الحَنينْ

كعُصفورةٍ لَمْ تجِدْ عُشَّها بعدَ عودتِها،
والسَّنابِلُ في جَوفِها

لِتُطعِمَ أفراخَها الجائعينْ

وبعدَ نَحيبٍ يشُقُّ القُلوبْ
بِنَصْلِ الوَجِيبْ،

وبعدَ نِداءٍ وبَحثٍ جَديبْ؛

أتَتْها الإجابةْ:

لَقد خَطفَتْهم أَفاعٍ لِتُولِمَ في جُحْرِ غابةْ،

أَتَدري الأفاعِي بِقلبٍ حزينْ؟

ودمعٍ سَخينْ؟

وفَقْدٍ يُسَدِّدُ خُطْوةَ ثَكْلَى

-إلى اليأسِ شُدَّتْ-

وفي الاِنتظارِ تُخومُ الرَّحيلْ؟

وَمَنْ أَنْضَجَتْ حادِثاتُ الليالي؛

مِنَ النّبْضِ، أَوشَكَ أَنْ يَسْتَقِيلْ

فَمَنْ يستطيعُ اجْترارَ الخَوالي

بِلا نايِ حُزنٍ وقلبٍ عَليلْ؟

وَمَنْ سَوف يُسْرِجُ للعدلِ خَيْلًا

ومَنْ سوفَ يُشْجيهِ صَوتُ الصَّهيلْ؟

ومَنْ سوف يزرعُ للحُبِّ وَردًا

وفي حَوضِهِ لا دِماءَ تَسيلْ؟

لعلَّ الغيومَ تَصُبُّ جِرارًا

على قَحطِنا؛ يُزهِرُ المُسْتَحيلْ

لعلَّ النَّهارَ يعودُ نَهارًا

إلى شاطئٍ مُتْرَفٍ بِالنَّخيلْ

*****

9/7/2018
 

السِّيُّ: الشبيه... نقول: فُلانٌ سِيُّ فُلان أو: هُما سِيَّان: شبيهان

من ديوان: تراتيل دمشقية