Saturday, September 26, 2015

شبكتي بندقية




وقرأتُ يا أُمَّاهُ في عينيكِ حُلْمًا ضَمَّني بِتَرَفُّقِ:
إكليلَ فُلٍّ.. طرحةً بيضاءَ عَطَّرَها انفعالُ الزَّنْبَقِ!
فُستانَ عُرسٍ نَسْجُهُ مِن فرحةٍ
حَمَلَتْ فراشاتٌ رِقاقٌ ذَيْلَهُ فوق الجَناحِ المُشفِقِ!
وأساوري وقلائدي تتلألأُ الأضواءُ مِنْ لألائِها
والعَقْدَ مَخطوطًا بريشةِ طائرِ الأشواقِ
بين جوانِحي – بعد الضَّنى– حَطَّ الرِّحالَ مُؤرِّقي!
عَرشًا مِن الوردِ انتشى مُتَعاليًا
يزهو على كلِّ العُروشِ بِوَردِهِ المُتَأَلِّقِ!
وبأنَّهُ الحِضْنُ الذي ضَمَّ ارتعاشةَ نبضةٍ في ليلةٍ
هي قِمةُ الأحلامِ لِلمُتَشَوِّقِ!
***
وَتُعَدُّ في اليومِ الأثيرِ وَليمةٌ عربيَّةٌ
والعِطرُ قد جادَتْ بهِ جُورِيَّةٌ
ومِن الجِنانِ تَطوَّعتْ حُورِيَّةٌ
عَزَفَتْ على قيثارِها
هَمَسَتْ إلى أوتارِها
فاضتْ ينابيعُ اخضرارٍ مُورِقِ!
الأُفْقُ يَشْدو.. والفضاءُ مَحبَّةٌ
وشُجَيْرةُ الحِنَّاءِ تُهدي زهرَها
لِخِضابِ كَفٍّ بالسرورِ الناطقِ!
وأُزَفُّ لو تَدرينَ يا قَطرَ النَّدى
نُثِرَتْ زُهورٌ في طريقِ العُرسِ
وازدانتْ حواشي الجَوْسَقِ!
***
لكنني آثَرتُ يا أُمَّاهُ حُلْمًا كَمْ يُراوِدُ في الكَرَى
والصَّحوِ ذاكرتي العصيَّةْ!
فَتَرَكْتُ حِنَّائي لِأَحمِلَ ما حييتُ البُنْدُقيَّةْ!
                   وطني الحبيبُ يموتُ مرَّاتٍ ومرَّاتٍ                      
إذا طلَعَ الصباحُ وفي العَشيَّةْ!
خمسينَ عامًا – بَلْ يزيدُ – تَمَلْمَلَ المَنْفى
وفي دَأَبٍ نُفَتِّشُ عَن هُوِيَّةْ!
***
أغرى التتارَ سُكوتُنا
عند المعابرِ كُبِّلت خُطُواتُنا
تحت النِّعالِ حقوقُـنا ودماؤنا
 بَل قيلَ إنَّ دراهمًـا ..عِوَضًـا
تؤدِّيها على شرفِ الهُولوكُوسْتِ الضحيةْ !
***
لَن يرجِعَ الوطنُ السَّليبُ حبيبتي
حتى تَدُقَّ البابَ قَبْضَتُنا المُضَرَّجةُ الأبيَّةْ!
فإذا بِأجنادينَ أو حِطِّينَ تَفتَحُ للمُقاومةِ الفَتِيَّةْ!
***
ماتَ الجبانُ مع المخاوِفِ كُلَّ يومٍ مرةً
أمَّا الشُّجاعُ فَموتُهُ رَهنٌ بِذاكرةِ المَنيَّةْ!
فإذا اتَّشَحنا بالجِهادِ فإنَّنا
يومًا سنُدرِكُ ثأرَنا نُحيي القَضِيَّةْ!
وغَدًا أُزَفُّ إلى الجِنانِ يحوطُني
صَخَبٌ مِن البارودِ ينسِفُ عُصبةً للبربَرِيَّةْ!
*****
30/8/2001
  الجوْسَقُ: القصرُ الصغير

أجنادين: الموقعةُ التي استُعيدَتْ فيها القُدسُ من الرومان

من ديوان: للقُدسِ مِعراجٌ

إهداء: إلى البطلة الفلسطينية المُحرَّرة أحلام التميمي


مُلتَقى نادي القلم الفلسطيني _قصة أحلام التميمي

Tuesday, September 1, 2015

يا لَيْلَكةَ المَطرِ الدَّامِي







عُصفورَ الحُولَةِ يا سائِلْ

عن دِينِ السِّكينِ القاتِلْ

وأبو لؤلؤةٍ يعرفُهُ،

والجُرحُ العُمَريُّ الذاهِلْ

تاريخٌ.. والوسْمُ خياناتْ

ونداءٌ حارٌّ محزونٌ

من شرفةِ قلبٍ مكلومٍ،

يتعالى في أفْقِ الثَّاراتْ:

السيفُ هو السيفُ العربيّ

والغَدرُ هو الغَدرُ العربيّ

والعُذرُ هو العُذرُ العربيّ

وتداعَتْ حُمَّى النكْباتْ

وتسرَّبَ وعدٌ مَمْهورٌ بِالحُرِّيَّاتْ

-صَهَرَتْهُ جِمارُ التَّسويفْ-

لِشقوقِ ضمائرَ صَوَّحَها حَرْقُ الغيْماتْ

أنباءٌ ناعمةٌ هربت مِن وَقْعِ سياطِ الإجحافاتْ

والنخلُ المَجذوذُ تراءى في فِنجانِ العرَّافاتْ

يا وعدًا بالمُدُنِ الجَذْلَى.. ضاعَ المِيقاتْ

***

القَطْرُ الخائنُ يسَّاقطُ حِمَمًا هوجاءْ

نيرانُ الحِقدِ غَدتْ تُنبي

عن عَجزِ قواميسِ الإطفاءْ

يا قافلةَ العُربِ أنيبي

عن باديةِ الشامِ أجيبي

لهفةَ سؤلِ المُهرِ الرَّاجي

نورَ الفجرِ الطالعِ يومًا

من أجفانِ الليلِ الدَّاجي

مِن أغوارِ الثَّكْلِ يَهِلّ

مِن أحداقِ اليُتمِ يُطلّ

فتُهيلُ عليهِ ذئابُ الفقدِ ترابَ الغُربةِ والإقصاءْ

يا لونَ جهادٍ في فَلواتِ الفُرقَةِ ضَلّ،

يرمي مِن جَعبتِهِ الدَّاءْ

وطنًا هجرَتْهُ الأفياءْ.

في بحرِ سرابٍ يسقيهِ عطشُ الصحراءْ؛

ما عادَ الحُلْمُ الوطنيُّ الزاهي

تَنُّورًا يلثُمُ وجْهَ الأرغفةِ السمراءْ

بل شهقةَ أمنٍ في رئةِ المُدُنِ الجَرداءْ

***

ماتتْ أزهارٌ واحْتَرَقَ البُستانْ

وتَعاورَ سَمعَ الليلِ السّاجي مَوصولِ الأشجانْ،

زَأْرُ الأشباحِ وترتيلُ العِصيانْ

مِن جُمجمةِ الطفلِ انثالتْ
 
أحلامٌ بين الأكفانْ

في تابوتِ الموتِ القاني:

يخبو الجُورِيُّ الوَسْنانْ

ما أصعبَ جُرحًا يُخفيهِ ابنُ أبيكَ بِغِمْدِ الأرزاءْ!

***

يا لَيْلَكَةَ المطرِ الدَّامي

يا تهويماتِ الأحلامِ

لا تنتظري قَطْرَ النَّخوةْ

لا تعتنقي عزمَ الإخوةْ

فالإخوةُ باتوا أعداءْ،

والطَّوْطَمُ قَلبُ الأهواءْ

طافَ الكَرْزُ النَّازِفُ ليْلًا

يَسْقي أحلامَ الأبناءْ

مَن للبَيدرِ بالأفراحِ وبالحنَّاءْ؟

يا عُشبَ الأرضِ قدِ اشتدَّتْ

مِنجَلَةُ القَتْلِ الرَّعناءْ،

للثورةِ قلبٌ مشبوبٌ يا شامي حُبًّا وفِداءْ

والفَجْرُ يُلَوِّحُ في صَخَبٍ؛

هُبِّي صُدِّي الأعداءْ


***
6/6/2012

 مجزرةٌ من مجازرِ النظامِ في سوريا تمَّ ارتِكابُها في قريةِ الحُولة السُّنيَّة في الخامسِ والعشرينَ من أيّار/2012    
وقد راح ضحيتها أكثر من 110 شخصًا نصفُهم من الأطفال والباقون من الشيوخِ والنساء، ويُقال إنه
قبل وقوع المجزرة استغاث الأهالي بمن يُنجدُهم ولكن مُراقبي الأمم المتحدة غادروا عندما بدأ القصفُ بالدبابات.


مِن ديوانِ: تراتيل دمشقية

Tuesday, August 25, 2015

على بيادرِ الشجنْ








لِجُرحِنا الحافي على مدارجِ الأشواكِ واليَبابْ

في ضوءِ قِنديلٍ ضريرٍ مِن سَنا زيتونةٍ
مَعصورةٍ في ظِلِّ أهْدَابِ الغيابْ؛

رِسالةٌ مِن بينِ أرتالِ الرَّغامِ والنَّشيجِ
والشَّرايينِ التي تَكَفَّلَتْ بِحُمرةِ الخِضابْ:

يجتاحُنا حنينُنا.. تُطِلُّ مِن جروحِنا أشواقُنا العِذابْ
فنمتطي الخروجَ عن قُدسيةِ السرابْ
ونُشهِرُ الهِجاءْ
لحرفِ بحرِكَ العُبابْ
والموجُ حين يقرأُ البحارَ يصطلي بقُبلةِ الرمالْ
ومَغرِقِ الشموسِ في متاهةِ الفِراقِ والسؤالْ
ودَمعةِ الغروبِ تشتكي تعَنُّتَ الآصالْ
وحُرقَةِ القلوبِ حينَ يُغلَقُ الكتابْ
***
يا جُرحَنا الرَّحَّالْ
- مِن شاطئٍ لشاطئٍ-
والمِلحُ في جَفنيْهِ حيٌّ لم يَذُبْ
الجَزْرُ فيكَ للرِّضا والمَدُّ فيكَ للغضبْ
أحلامُنا منشورةٌ على صَوارٍ مِن صَخَبْ
وأنتَ سِفرُ الِاغتِرابْ
تَرنو العيونُ والمَدَى
مُسَيَّجٌ بالنَّارِ والصبَّارِ والمِحَنْ
فَتُشْرِقُ الذِّكْرَى الفُتوحُ؛ يَمَّحِي ظِلُّ الوَهَنْ
ومِن نوافذِ العيونِ تلتقي
إطلالةُ السنابلِ اليتيمةْ
على بيادرِ الشجنْ
والسِّندِيانُ قائمٌ يُسَيِّجُ الغِيابْ
والقلبُ زهرةٌ تصوَّحَت لطيمةْ
ولم تَزَلْ 
أُرجوزةُ البَوحِ التي غَدَت
تهُبُّ نِسمَةً مع الشبابْ،
تُعانِقُ الأثيرَ باضْطِرابْ
وتَعتَلِي ذؤابةَ المَشِيبِ والضَّبابْ
***
يا صرخةَ الميلادِ يَبتدي بها شهْقاتِهِ الوَليدْ
-إذْ لامسَت نقيَّةً غُبارَ صَدِّكَ العنيدْ-
وحينَ شبَّ مِثلَنا، ضمَّ الفؤادُ جَمرَ حُبِّكَ الفريدْ
***
سِيزِيفُ* بعدُ لم يزَلْ يُوَرِّثُ العبيدَ صخرةَ العَناءِ والعِقابْ
ولم تزَلْ تؤرِّقُ السُّفوحَ سَقْطةُ الصُّخورِ كُلَّما كانَ اضْطِرابْ
والسُّنبُلُ الصَّادِي رَنَا لِغَيْمةٍ تُصادِقُ الشِّهابْ  
ومِن عُيونِهِ تقاطرتْ لآلئُ العِتابْ
***
صحراءَنا المُدلَّلةْ
يا خارِجَ المُساءلةْ
آهٍ .. وألْفٌ مثلُها بين الضُّلوعِ ماثِلةْ
في الليلِ تمضي القافلةْ
والريحُ تعوي بِانتظارِ الزلزلَةْ
تَجتثُّ مِن خِيامِنا الأوتادَ واليقينْ
لكننا نَحدوكَ واقفينَ عند جَبهةِ العرينْ
على دَمٍ مُسَهَّدٍ مُريدْ
ينضو ارتعاشةَ الوريدْ
ويلبَسُ الرَّدَى مُطرَّزًا بوردةِ ابتسامةِ الشهيدْ
***
أشْمَتَّ فيَّ عاذِلي
والحُبُّ فيكَ قاتلي
والشوقُ باتَ نادِلي
يُهدي سُلافاتِ العَذابْ
***
ومِنْ عريشةِ السَّمَرْ
رِسالةٌ مِنَ الضَّجَرْ
لَعلَّها
تَؤُزُّ قلبَكَ الحَجَرْ:
مَتى تعودُ للسَّهَرْ
لكي تُنازِعَ القمرْ
عباءةً خُيوطُها
اللُّجَيْنُ والإيابْ
***
25/9/2012


*ألبير كامو: سيزيف والصخرة 
تَمَّ طبعُ القصيدة في كتاب "الحديث والشَّجَن" لمؤلِّفِهِ الأمازيغي د. حسن أَوريد
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الرباط
وقد أودعتْ نُسخةً منه في مكتبة إحدى الجامعات الإنجليزية

 

مِن ديوان: العُصفورُ الذي نَسِي