Wednesday, March 12, 2014

ودِمشقُ تسقي وردَها دَمَها

*يا بُلبلَ العاصي تَرَنَّمْ.. قُمْ وواصِلْ 
ذَبَحوكَ يا صوتًا تَحرَّرَ
مِن قيودِ الخوفِ تمتلِكُ المفاصِلْ
فانداحَ عزمُ الشامِ لا يخشى مَباءاتِ المقاصِلْ
بَانياسُ والكَفَنُ الوضيءُ رِداؤها.. هبَّتْ
ودِرعا وَمضةُ البَرقِ الذي قَلَبَ المَشاهِدْ !
ومَعَرَّةُ النُّعمانِ تتلو سورةَ الأنفالِ
في صبرٍ تُدَبِّجُهُ انتفاضاتُ الرجالِ:
على التَّحَرُّرِ مَن يُعاهدْ؟
حِمْصُ: الحُروفُ لها صهيلْ
إنْ تمتشِقْ سيفًا يُنادي بالرَّحيلْ
 وتَعهَّدَتْ مِن جُرحِها مَلْءَ الدَّواةْ
وحَماةُ ريشتُها تُسَدِّدُ عجزَ قاموسِ الصلاةْ؛
فتُعلِّمُ التاريخَ يكتُبُ أنَّها فرضُ الجهادِ
بلا ركوعٍ أو سجودٍ للطغاةْ
بلْ إنَّها فرضُ التَّحدِّي حين نُفجَعُ في الفلاة؛
بِكَسرِ آلةِ الاتِّجاهْ
وتَعُدُّ مِسْبَحَةَ الشَّهادةِ بالمئاتِ
لكي يعودَ لمَجدِها نهرُ الحياةْ !
مِقلاعُها الحَجَريُّ يرجُمُ -في ثباتٍ-
رِجْسَ أفئدةِ البُغاةْ
ودِمشقُ تسقي وَردَها دَمَها.. تراتيلَ الحُداةْ
مَكلومَةُ الوِرْدِ استفاقتْ لم تُخَدِّرْها التفافاتُ الحُواةْ
والمِرجَلُ الحَلَبيُّ يغلي نافثًا غيظَ الأُباةْ !
***
شرَفُ الخصومةِ قد علا مِنهُ الأنينْ
ومُخيَّمُ الرَّمْلِ السَّجينْ 
ينشقُّ بعد حصارِهِ عن ديرْ يسينْ
ثلجيَّةٌ كُرةُ النِّضالِ فما لها والمُرجفينْ !!
***
يا قائدَ اليرموكِ أين المُلْتَجا؟ هل مِن إيابْ؟
القتلُ يَبْرُزُ مِن مضاجعِنا..مآذنِنا..يُخَبَّأُ في السَّحابْ
نحتاجُ بأسَ ابنِ الوليدِ يُحِدُّ شَفْراتِ العِقابْ
فالشِّبلُ بشارُ "المُمانِعُ والمُقاوِمُ" ذو العرينِ المُستَعارْ
مَن يترُكُ الجولانَ ترسُفُ ثمَّ لا يُقصيهِ عارْ:
عن ذبحِ أسرابِ العصافيرِ الجميلةْ
أو دَهْسِ قافلةِ الإرادةِ بالكراهيةِ الثقيلةْ
فِعلَ النَّعامِ أتى ليهربَ مِن ربيعِ العُرْبِ إعصارِ الحقيقةْ
ومضى على دربِ التجاهُلِ دَبَّرَ القَمْعُ الطريقَةْ
واشْتَدَّ يلبَسُ ألفَ وجْهٍ للعِنادِ بعنتريَّاتٍ صفيقةْ
وعباءةً تحميهِ حاكتْها بليلِ الغدرِ طهرانُ الصديقةْ
***
كم باتت الجولانُ في قاعِ المَهانةْ؟
كم يا أخا الحجَّاجِ تَسألُكَ الأمانةْ؟
كم في غرامِ المُلكِ تُهرِقُ والظَّما كأسُ الحِمى؟
يا شاطِئَ العاصي إليكَ يعودُ حُرٌّ بعدما
نحروا النَّشيدَ.. استأصلوا مِنه الفَمَا  
نهرَ الكرامةِ صُبَّ في البحرِ الدَّما
لِيُعانِقَ المجدُ الأثيلُ الأنجُما !
***
في سِجنِ تَدْمُرَ يُسْتَشارُ أبو لَهَبْ
والمسجدُ الأُمَوِيُّ دَنَّسَهُ الرَّهَبْ،
وكتائبٌ سوداءُ خَبَّأَ غِمدُها سيفًا مَجوسيَّ الأَرَبْ
أَرَأَيْتَ أُمًّا مَزَّقتْ أبناءَها إرَبًا .. إرَبْ؟
فجِراحُهم قد سُجِّرَتْ وعلى شواطئِها تَجَوَّلَتِ الخُطَبْ 
ونِزارُ غابَ فمن سيبكي الصمتَ في قبرِ العَرَبْ؟
يا ثورةَ الغُرَباءِ هُبِّي يا براكينَ الغضَبْ !
***
لا تيأسي يا أختَ قاهرةِ المُعزِّ
إذا التقى فيْضُ الدماءِ
وفارَ تَنُّورُ الإباءِ  
فإنَّ أمرًا قد قُدِرْ
وتريَّثي فالنصرُ يَغْنَمُ خيْلَ ظُلمٍ قد قُبِرْ
في سَفْحِ قاسيونَ المَجامِرُ تنتظِرْ
والفجرُ قد لاحت بشائرُهُ فهيَّا نعتبِرْ
يا بُسْنَةَ الشَّامِ استعيدي ما تَبَدَّلَ واندَثَرْ
مَيْسونُ قد ألقتْ جدائلَها على وجْهِ القمَرْ
نِيرونُ.. في سُعُرِ السياسةِ-يا مُكابِرُ- مُزدَجَرْ
فلتَبكِ حتّى الموتِ قُرطُبَةً يُضيِّعُها البَطَرْ !
***
12/8/2011

*هو إبراهيم قاشوش منشد(ارحل يا بشار) والذي ذبحته قوات البطش واقتلعت حنجرته، 
وألقتهُ مع غيره من الشهداء في نهر العاصي، وما زالت هي أنشودة الثورة في سوريا، 
وقد غناها الشباب في ميدان التحرير في القاهرة، بل غناها االعالم كله.


من ديوان: تراتيل دمشقية


Monday, March 10, 2014

سأقولُ إنَّ الياسَمينَ هُوِيَّتي

 نُشِرَتْ في العدد 39 شباط 2022 من مجلة المرايا العراقية (ورقية/ إلكترونية)

سأقولُ إنَّ رصاصةً قد مزَّقتْ أوتارَ قلبي؛

كيف تعزِفُ للحياةِ أناملي وأنا على مَوجِ الكراهيةِ العَنودْ؟

سأقولُ إنَّ عُروبتي فَتحتْ نوافذَ للشرورِ فكان أنْ

سَجدتْ على شُبَّاكها سُودُ المِحَنْ،

طال السُّجودْ

سأقولُ إنَّ مدامِعي قد صَوَّحتْ

وأنا أُفَتِّشُ في المتاهةِ عن خروجٍ..عن وعودْ

***

سأقولُ إنَّ رصاصَهم ضلَّ الطريقَ

وإنَّ سِرْبَ طفولةٍ أرْدَاهُ قنَّاصٌ بلا هدفٍ يَليقْ

سأقولُ إنَّ الياسَمينَ هُوِيَّتي

قد أطفؤوهُ على مَدارجَ مِن عقيقْ

سأقولُ إنَّ النِّفْطَ يسرِقُهُ اللصوصُ ويتركونَ سِراجَنا

صَدْيانَ، والخيماتِ تشكو حالِكًا لا يستفيقْ

وشيوخَنا صارتْ عمائمُهم مَلاذًا للعِدا..لا للصديقْ

***

سأقولُ ما عرَفَتْ ثلاثٌ مِن سِنينِ العُمرِ

عن شامي بلا أملٍ يطيبْ

-وبلا أغانٍ مِن "قِثارِ" العَندليبْ-

عن خُبزِنا المسروقِ في اليرموكِ،

في مُدُنٍ يُحاصِرُها العُمومةُ لا الغريبْ؛

حتى تراءى الحُلْمُ: تَنُّورًا.. رَغيفًا ساخنًا.. كأسَ الحليبْ.

عن جَنَّتي الفَيحاءِ تُغرَسُ في حدائقِها شُجَيْراتُ اللهيبْ

عن مِنجَلِ الكيمياءِ يقطِفُ ياسَمينَ الشامِ من أحلامِهِ،

وبلا بَواكٍ أو نحيبْ.

***

سأقولُ إنَّ الموتَ كان مُعبَّأً ومُخبَّأً خَلْفَ السُّحُبْ

سَقطتْ براميلُ الغضبْ

حَصَدتْ عطورَ زنابقٍ – مِن صدمةٍ- لم تنتحِبْ

فُقِئتْ عُيونُ أُخَيَّتي وتناثرت أشلاؤها

لم يبْقَ منها غيرُ خُصلاتِ الذهبْ.

***

في دَفْتَرٍ للعَنْتَرِيَّاتِ المُدانةِ بِالمَهانةِ يكتَفِي كُلُّ المَغاويرِ العربْ،

بِالشَّجبِ والتَّحذيرِ حتّى يبلُغَ الهَزْلُ المَصَبّْ

والجِدُّ مَسْمولُ العُيونِ؛ إذا أضافوا يَمزحُونْ:

سَطرُ الخيانةِ ليس يكتُبُهُ النُّجُبْ!

وإذا بِأحبارِ الخَدِيعةِ:

مِنْ عُصورِ العَلْقَمِيِّ، أبي رِغالٍ،

في الخَوابي والصُّدورِ يَعَافُها طُهْرُ الكُتُبْ.

***

في عالمٍ كَمْ يدَّعي والأدعياءُ لهم حضاراتُ الغُروبْ؛

مَنحوا (الدُّلارَ) مَخادِعًا، وعلى وسائدِهم تَناجَى بُومُ إشعالِ الحروبْ

رَمْلُ الغِوايةِ للمطامعِ مَرتَعٌ تذروهُ ريحٌ آنَ تقترِفُ الهُبوبْ

لا يا طبيبي لمْ تُقَصِّرْ إنَّما أحلامُ قومٍ

لا يُقَرِّبُها سِوى قَتْلِ الشعوبْ

وبكَى الطبيبُ براءةً ذهبتْ كما ثلجٍ

على أجفانِ بُركانٍ يذوبْ.

*****

  10/3/2014

من وحي براءةِ طفلٍ سوريٍّ (3سنوات) يُحتَضَرُ ويتوعدُ بأن يُخبر اللهَ سبحانه
عمّن أصابه بطلقةٍ عَجز الأطباءُ عن علاجِه من آثارِها؛ فقضى!
من ديوان: تراتيل دمشقية

رابط تسجيل صوتي للقصيدة على اليوتيوب بصوت الشاعر: حمدي كوكب

Thursday, March 6, 2014

صَيَّاحُ.. مَنديلا النَّقَبْ



  القَومُ.. ظنوا السَّلْبَ في أرضِ الجُدودِ
بلا دُخانٍ يُرْتَقَبْ
الكفُّ أنتَ.. ومِخْرَزُ "القانونِ" يُغرَسُ فيهِ؛
والدمعُ المُمَلَّحُ مِن ترابِ الأرضِ يأبَى أنْ يُصَبّْ..
مِن صوتِكَ المجبولِ بالرّفضِ المُسَيَّجِ بالإباءْ؛
جُدِلَتْ ضفائرُ مِن ذَهَبْ؛
شُدَّتْ على البيتِ المُعلَّى بالغضبْ
خمسونَ هدمًا ثُمَّ خمسٌ، والمعاولُ مِن دَمارٍ لم تَتُبْ
هي نكبةٌ أُخرى ليحترِقَ الهنودُ الحُمرُ مرَّاتٍ بنارِ أبي لَهَبْ
أوَّاهُ يا شيخَ العراقيبِ المُحَنَّكَ في دروبِ الكبرياءْ!
قد جُبْتَ صحراءَ النَّقَبْ:
بدَمِ البنينَ رَسَمْتَ خَطَّ حُدُودِها؛ فالأرضُ أغلى مِن ضَنى؛
مَن شَبَّ فيها وانحنى!
تحدوكَ أغنيةُ الحنينْ
نغماتُها قد أنبتتها الأرضُ مِن تُرْبِ الأنينْ
للعُودِ أوتارٌ مِن اللهبِ المُسَجَّرِ في أخاديدِ الزمنْ
أتَعودُ للتيهِ الرمالُ بلا نقيبٍ يُمْتَحَنْ؟
هَدموا الدِّيارَ فقُمتَ تنبِشُ شيخَنا في الذكرياتْ
لِتُعيدَ ناصيةَ القرارِ إلى الوطنْ
تُلْقي المُنَظِّرَ مَعْ حقيبتِهِ التي ثَقُلتْ بأوزارِ المظالمِ والعَفَنْ؛
في البحرِ كي يتوحَّدَ النهرُ المُعنَّى بانقساماتِ الإحَنْ
فَتُعيدَ للزيتونِ بسمتَهُ على ثغرِ الحصادِ المُرتَهَنْ
وتُعيدَ قصةَ قُدسِنا تُروى على سمعِ الأيائلِ والنوارسِ والشجرْ
فلربما عادت لدورتِها قلوبٌ مِن حَجَرْ
ولربما ألقى الملوكُ عروشَهم وتقَلَّدوا السَّيفَ الأغَرّْ
ولربّما عادَ القَمَرْ؛
وملاءةٌ فضِّيَّةٌ نُشِرَتْ – بدون مُدَنِّسٍ-
نُشِرَتْ على طُهرِ النَّقَبْ.

*****

3/12/2013


هو كبيرُ قريةِ "العراقيب" في صحراء النقب  "صيّاحُ الطوريّ" البالغُ من العمر ثمانين عامًا، 
وقد هدموا منزله خمسًا وخمسين مرةً؛ ليُقيموا على أنقاضه مُستوطنات "برافَر"
وفي كل مرة يعودُ لبنائه،
كما اعتقلوا أبناءه، وهددوه بالسَّجن لإكراهه على ترك الأرض؛
ولكنه أبى أن يتركها؛ رغم كل ذلك!

تحيةَ إكبارٍ لوطنيةٍ أبيةٍ جذورُها في الأرض وفرعُها في السماء!

من ديوان: للقُدسِ مِعراجٌ

Tuesday, March 4, 2014

العصفورُ الذى نسي

كان عصــــــفورٌ صـغيرٌ قد تَغنَّى شـــــــــارِحًا لِلإلفِ أسرارَ الجمالْ:
كيف ينســابُ النســــــــيمُ الحرُّ ما بين الرُّبى أو عابثًا شَدَّ الرِّحالْ
كيف تمحو الريحُ في زَهْوٍ وتيــــــــهٍ كلَّ ما خَطَّ النَّدامى في الرِّمالْ
تحمِلُ الخِصْبَ ازدهــارًا وغرامــــــــًا من زهورٍ شـــــــفَّها نأْيُ الوِصالْ
كيف يعلو الموجُ مَسْرورًا فتيًّا صفحةَ المـاءِ المُسَــــجَّى في جلالْ
كيف تُدمي الأُفْقَ شمسٌ إن تداعتْ للغروبِ اسَّاقطتْ خلفَ التلالْ
والطيورُ اقتـادها شــــــوقٌ إلى أعشــــاشِها والدِّفءِ مِن برْدِ الليـالْ
وفَراشٌ عبقـــــريُّ الوَشْــــيِ يُوحِـــــي أنَّ هذا الكوْنَ عرْشٌ للكمـــالْ!
كيف يسـعى الخلقُ في دَأْبٍ وصـــبرٍ بين أدغالِ الخبايا والخيـالْ
والنجومُ الســـــــاهراتُ الليـــلَ ترنو، هالَـها عُشْـبٌ على قَيْدِ النِّزالْ
***
ذاتَ يومٍ غافــــــــلَ المســـــكينَ فخٌّ فتهـــــــــاوَى بين أطواقِ الحِبالْ
غاصَ في حُزنِ اليتــــامى فانزوت أوتــــــارُهُ تبكي فضاءً لا يُطالْ
وانطوَى في الأسْـــــــــرِ يهجـــــو مَكرَ صيَّــــــــــــادٍ وأحجارَ النِّبــــالْ!
حاول المسجونُ يومًا لم يَطِرْ إذ صَدَّهُ ســقفٌ وجُدرانُ المُحـــالْ!
سلَّمَ العصفورُ يأسًا وامَّحتْ مِن رأسِــهِ المحزونِ أفكارُ النِّضالْ!
فإذا ما أطلقوهُ اســـــتبدلَ القفْــــــزاتِ بالتحليـــقِ في عالى الجبالْ
والقُطَيِّطُ في انتظـــارٍ طــالما قد بـاتَ يهفو ثم يدعو في ابتهالْ:
يا إلهي  يا مُجيبـــًا دعوتي شــــــكرًا  فقد آتيتني صَيـــــــدًا حلالْ
ثم صار القطُّ لحْدًا لأسيرٍ قـــــــــادهُ الجــاني إلى ســــــــوءِ المآلْ!
***
وَصْمَةٌ أن تُنسيَ العصــفورَ قَسْرًا قُدرةَ التحليقِ ســــعيًا وارتحالْ
فتنةٌ أن يُحبسَ الأحرارُ إذ تنهارُ فِي القيدِ انتمــاءاتُ الرجـــــالْ!
***
20/6/2000
(*) عن قصةٍ رمزيةٍ للكاتب الكبير"أحمد بهجت" وردت في "الأهرام" في "صندوق الدنيا" وبالعنوانِ ذاتِه.